الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

مسلسل على حلقات: ليالي الفوضوية - 1

احدى المنازل المحتلة في برشلونة
 
البيوت المحتلة (او المحررة من الملكية الخاصة) هي حركة نشطت في السنين الثلاثين الماضية في اوروبا خصوصا الا انها ظاهرة عمت بلدان كثيرة  في العالم اجمع ولاسباب وغايات متعددة ومختلفة. في لبنان تم احتلال البيوت المهجورة من قبل العائلات النازحة بسبب الحرب والتهجير القصري. من هذه العائلات كانت عائلتي، فانا ترعرعت في الجنوب اللبناني في قرية احتوت على اكثر من ثلاثين بيت محتل. عشنا في ذلك البيت حوالي العشر سنين وهناك كانت طفولتي واول سنين مراهقتي. اليوم اشعر برابط قوي مع تلك القرية واعتبرها قريتي ومكان نشوئي. لم اشعر يوما بفرق بين العائلات المحتلة والعائلات التي تمتلك البيوت وتعيش فيها، كنا جميعا جيران واصدقاء وما زلنا. في استراليا على سبيل المثال يعود مبدأ احتلال البيوت الى القرن التاسع عشر وتمثل باحتلال قطعة ارض ملكية بهدف استثمارها للزراعة او تدجين الحيوانات. في الهند يعيش الملايين من الناس في بيوت او قطع ارض لا يملكونها او على مساحة من الرصيف العام وعلى الرغم من سوء الظروف الا ان عددهم/ن يقدر بالملايين. ايضا ان احتلال البيوت والاراضي قضية معروفة وموجودة في ماليزيا والفيليبين والبرازيل والمكسيك على سبيل المثال لا الحصر.

اسباب الاحتلال تعددت وكذلك غايات الاستعمال واساليب التنظيم، كما تنوعت استراتيجيات الدفاع عن هذه البيوت والاراضي المحررة بتنوع المكان والاهداف والرؤية السياسية والوضع الاقتصادي والاجتماعي لساكنيها. تجربتي الخاصة كانت في لبنان خلال الحرب ثم في اوروبا خلال الست سنين الماضية عبر نشاطي داخل بعض المجموعات الفوضوية (التحررية اللاسلطوية).

الحركة في برشلونة حيث اعيش اليوم تشهد تغييرا مهما كونها اولا اكبر حركات البيوت المحتلة السياسية (المعروفة باللغة الانكليزية بالـ squat) في اوروبا والعالم بعد اعلان الدولة الهولندية مؤخرا تجريم احتلال البيوت في هولندا والبدء بحملة قمعية شهدت احداث عنيفة اوضحت ارهاب الدولة وعنف النظام. وثانيا بسبب النشاط السياسي الراديكالي في سبيل العديد من القضايا وبسبب علو نسبة اللاسلطويين/ات (من الفوضويات/ين والتحرريات/ين) في صفوفها.
عرض موسيقي في "كان ماس ديو" احدى البيوت المحتلة منذ اكثر من عشر سنين
اللعبة في برشلونة تكمن في احتلال البيوت والاراضي واستعمالهم لمشاريع سياسية وحياتية حتى يتم طردنا منها بامر قضائي او بحملة امنية بدون امر قضائي ولا اعلام مسبق، الا ان العمليتان يتمثلان باقتحام الشرطة للمنزل واخلاؤه بالقوة مما لا يخلو من مقاومة تتنوع بحسب المنزل ومن يسكنه. يوجد نوعين من البيوت، البيوت التي تستعمل للعيش وهي بحد ذاتها مشروع سياسي ولكنه غير مفتوح للمشاركة الخارجية، والبيوت التي تحتوي النمط الاول وتضم ايضا مركزا مفتوحا للعموم للمشاركة في ولتنظيم ورشات العمل والنشاطات. التنظيم واتخاذ القرارات في المنزل وفي المركز يتمان عبر اجتماعات دورية ويتم اتخاذ القرار عبر التوافق (consensus). تتعدد المشاريع، فمنها من يقدم ورشات عمل حول بناء وتصليح الدراجات الهوائية، او الخياطة، او اللغات، او الموسيقى، او المعلوماتية والبرامج المفتوحة المصدر، او الزراعة العضوية، او صناعة البيرة المنزلية، او الدفاع عن النفس والفنون القتالية (بالاخص للنساء والمثليين والمثليات)، او عرض الافلام وتنظيم الحلقات الحوارية، او تقديم الطعام والمشروب باسعار زهيدة، او انشاء مكتبات عامة ومراكز معلومات، او نشاطات للاطفال، او تنظيم الحملات التضامنية والتحضير للمظاهرات والاعمال المباشرة... الخ الخ.

العلاقة بين البيوت تعتمد على مدى قرب الرؤية والممارسة السياسيتين ويتمتع كل بيت باستقلالية تامة، ففي نهاية المطاف التحررية ليست بحزب ولا بديانة، هي شبكة تضامنية مبنية على التكافل والتضامن والمسؤولية والمساواة التامة.

لشرح الموضوع افضل سارافق عملية احتلال لاحدى المباني والمشروع السياسي المرافق، وسيكون الشرح على شكل حلقات تتابع تطور الاحداث. سيتم ايضا التعريف على بعض الشخصيات المشاركة في العملية عبر مقابلات تنشر تباعا.
الشعار العالمي للاماكن المحتلة
الحلقة الاولى:

المجموعة تتكون من 15 شخصا مع اكثرية ساحقة من النساء والشاذين/ات جنسيا (يوجد رجل واحد مشتهي للجنس الآخر). تجمعت المجموعة من صديقات ومعارف من الحياة السياسية والاجتماعية في برشلونة. الحاجة ملحة لإيجاد بيت بسبب اخلاء ثلاث من البيوت التي كان يعيش فيها سبعة من المشاركات في المجموعة الجديدة. يعيش هواتي السبعة الآن في بيوت اخرى بصفة زائرات وحتى الآن تم الاجتماع اربعة مرات لمناقشة التطلعات والحاجات وتفاصيل العمل.

الاجتماعات الاربعة تضمنت التكلم عن الوضع الخاص لكل مشاركة على الصعيد النفسي والوضع الحياتي كما الحاجات والتطلعات حول المشروع الجديد. وتوصل الاجتماع الى التقرير بالتوافق حول ميزات البيت الجديد، فوقع الاختيار على الشكل المعماري المعروف بالبناية وعلى توافر شقق خاصة تحوي مجموعات صغيرة مع المحافظة على شقة مشتركة تحوي المطبخ والمكتبة وغرفة للجلوس واخرى للطعام كما بعض المساحات المشتركة الخاصة بالعمل مثل غرفة الكومبيوترات. ثم تمت مناقشة بعض الاقتراحات لمباني مهجورة في اماكن مختلفة من برشلونة وتم شطب المباني التي تقع خارج وسط المدينة بسبب تفضيل معظم عضوات المجموعة العيش في وسط المدينة. مارتا وماريا تفضلان العيش خارج الوسط بسبب الزحام وعلو نسبة السواح والضجة، الا ان رغبتهن في المشاركة في هذا المشروع طغت بعد المناقشة على كرههن العيش في وسط المدينة. عظيم نستمر بدون خسارة احد من المجموعة. كما تمت مناقشة الوضع الجندري وتم الاتفاق على المجافظة على اكثرية من النساء والشاذين/ات جنسيا واعطاء امور الجندر اهمية عالية في المشروع السياسي. كما تمت مناقشة المحافظة على الخصوصية في الشقق مع مشاركة الطعام واماكن التجمع في المنزل والالتزام بمطبخ نباتي مع احترام حرية الافراد بتناول المتنجات الحيوانية في مساحاتهن الشخصية وعلى نفقتهن الخاصة. ثم تم اختيار خمس بنايات وتقسيم العمل الى مجموعات صغيرة.

البارحة كان الاجتماع الخامس. بعد وصول الجميع تم تقديم التقارير من مجموعات العمل الصغيرة، المجموعة الاولى قدمت المعلومات التي وصلت اليها حول مالكي البنايات الخمس والوضع الحالي للبنايات مما ادى الى اسقاط احدى البنايات بسبب الوضع المزري للاساسات والسقف. المجموعة الثانية حضرت ملفا حول الوضع الحالي للبنايات من جهة الاستعمال والجيران والشارع والتخطيط المعماري وتوزيع الشقق. شملت هذه المجموعة صورا للمباني وخرائط معمارية ومدنية تم الحصول عليها من الانترنت ومن المكاتب العقارية. اما المجموعة الثالثة فاضافت ثلاث مباني محتملة توافي المواصفات المطلوبة. المجموعة الرابعة اجرت بحثا قانونيا وقضائيا حول الايام الافضل للدخول الى هذه البيوت وكان التقرير على ثلاث ايام لا يمكن الاعلان عنها هنا بسبب الحرص الامني. الايام تم اختيارها حسب القضاة المخولين البت في هذه الامور وايام دوامهم مع الاخذ بالاعتبار تاريخ هؤلاء القضاة وتعاملهم السابق مع البيوت المحتلة. تم اختيار الايام التي تقع ضمن مناوبة القضاة الاقل تعسفا وتشددا مما قد يمنحنا بعض الوقت لتركيز وجودنا ودفاعاتنا ضد اقتحام الشرطة. كما تمت دراسة الوضع في المدينة واختيار الايام التي تتوافق مع تواجد هؤلاء القضاة وانشغال الشرطة باحداث اخرى.

تم توزيع العمل مرة اخرى لتحصيل المزيد من المعلومات، وبهدف مراقبة المباني جيدا ودراسة الشوارع من ناحية الاوقات المناسبة بحسب خلو الشارع من الناس، كما دراسة الابنية المجاورة وامكانية استعمالها وبعض الاقتراحات للدخول الى كل مبنى. كما تم الاتفاق على الاجتماع نهار الجمعة القادم لمشاركة المعلومات ومناقشة التفاصيل والمواد والادوات التي تنقصنا.

يتبع...

مقاومة عملية الاخلاء في "روينا اماليا" حيث اضرت الشرطة الاستعانة بمتسلقين محترفين لانزال الناشطات اللواتي تدلوا بحبال من الطابق الخامس

ليست هناك تعليقات: