الأحد، 14 مارس 2010

إنفذ ... بجندرك


منشورتي في صوت النسوة .. شكرا للنسوة على نشرها، وعلى ضجيجهن!
------------------------------------------------------------
إنفذ ... بجندرك!

هذه ليست بمقالة، هذه دعوة للانتحار، وصْفة للموت الرحيم… وإلاّ تهديد بالقتل.

هذه دعوة لانتحار جندر قد استشرى به المرض حتى فقد كل أمل بإنقاذه وبات يشكل تهديداً على الكوكب بكامله.

يقول اميلكار كابرال إنه من واجبنا أن ننتحر طبقياً، “على البرجوازية الثورية الصغيرة أن تكون قادرة على الانتحار طبقياً بهدف أن تولد من جديد بشكل عمال وعاملات ثوريين وثوريات كجزء لا يتجزء من أعمق تطلعات الشعب الذي ينتمون إليه”. ومع أنني لا أعتبر نفسي من رومانسيي الطبقة العاملة في وقتنا الحالي، ولا من المشجعين على العمل الوظيفي بأيّ من أشكاله، إلا أنني مقتنع جدا بفكرة كابرال هذه، فكرة الطلب من “الراديكاليين والراديكاليات” أن يكفروا بأكثر قيودهم قدسيةً وتميزاً وأن ينبعثوا في اليوم الثالث أحراراً من امتيازاتهم/ن الطبقية (بما فيها الامتيازات اليومية). ولهذا أتخذ من ما قاله العزيز اميلكار كركيزة لتوسيع دائرة الانتحار حتى تشمل الجندر الطبقي، ففي التركيبة الطبقية الجندرية، يحتل الرجل مركز الطبقة الحاكمة، ويتعدى في احتلاله قضية امتلاكه القضيب أو عدمه. فالرجل في سلم الطبقات هذا لم يعد يقتصر على حاملي القضيب فقط، بل أصبح حركة فكرية وقيماً اجتماعية وممارسات يومية تواجه وتقمع وتنفذ حكم الإعدام ضد كل من تسول له/ا نفسه/ا التمرد على معايير المجتمع المشتهي للآخر او أي محاولة لممارسة حق تقرير الجندر والحياة الجنسية.

عندما يبدأ الحديث عن الجندر تكثر الخطابات عن المساواة  والحقوق، بينما يتم إهمال الجانب اليومي من ممارساتنا الجندرية وكأنّ المشكلة تكمن هناك بعيدا عنا، في المجتمع، في التشريعات والقوانين أو في الدولة ومؤسساتها أو في القرى النائية وتقاليدها. كما لو أننا لسنا عناصر في هذا المجتمع ولا نشكل نواته ونتكلم بلسانه، ولا أنّ لحمنا قد تشكل من تقاليده. ننسى أننا نشأنا وفق عادات وأطباع وممارسات مصبوبة في قوالب هذا المجتمع. إنّ هذا المجتمع هو نحن كلنا مجتمعين. ولذا، لا يكفي أن نتكلم عن المساواة فقط، وبالطبع لا يكفي أن نوقّع على عرائض وننسق حملات، بل لا بد من عمل ثوري أعمق وأكثر راديكالية، لا بد من عملية اغتيال… اغتيال يبدأ بانتحارنا.

أتوجه الى أقراني الرجال، الى من أشاركهم ملكية القضيب وتدفق التستوستيرون في الجسد لأقول لهم – لنا – إنّ ساعة الموت قد حانت. نعم ! انتحارنا من اجل أن ننبعث من جديد، كرعشة مصاحبة للجماع الذي لا يبغي التوالد. في هذه العملية، يجب الانطلاق من أكثر المواقع حساسية، من ممارساتنا اليومية والحياتية، فالموت السريري لا يكفي. يجب أن نراقب أدق تفاصيلنا وتفاصيل حياتنا وندرسها لنرى كيف نستعمل امتياز قضيبنا طوال اليوم وكل يوم. أن نسجل الاهداف لضرب معاقلها، أن نزيلها عن بكرة أبيها، فالقول إننا نسويون أو يساريون أو مثليون أو تقدميون أو ناشطون ضد التمييز الجنسي لا يكفي لإزالة أعراض هذا المرض فكيف بالأحرى لاستئصاله من المجتمع؟ على سبيل المثال، هل نراقب في اجتماعاتنا الكبيرة عدد النساء اللواتي يتكلمن وعدد المرات التي يتكلم فيها كل من لا يندرج تحت تعريف “الرجل”؟ والأهم من ذلك، عدد المرات التي تؤخذ النساء وغير الرجال على محمل الجد، مقارنة بالرجال؟

هل نلاحظ عدد المرات التي ينتفض فيها الرجل ليتولى زمام الأمور، حتى ولو كان الامر يقتصر على تغيير قنيينة الغاز؟ وبالطبع فالعذرهو  دوماً المساعدة ولعب دور الشهم من دون الانتباه إلى أن شهامة الذكورة ما هي إلاّ عدم الاقتناع بقدرة من هم/ن غير رجال. فلا يسمح لغير الرجال من نساء ومتحولين جنسياً ومخنثين وغيرهم/ن ولا حتى أن يحاولوا/ن حل معضلة، أياً كانت. إنّ رفض التدريب الجسدي للاّ-رجال واقتصاره على جندر واحد صلب ما هو إلاّ قمع لأي محاولة تمرد واستقلالية، فكيف يتمرد ويستقل من لا يستطيع/تسطيع حتى تغيير قنينة الغاز وحده/ا ؟ وهنا يأتي دور الرجل بأن يرفض امتطاء الحصان الأبيض وأن يخطو خطوة الى الوراء ويراقب، فربما يتعلم شيئاً.

هل تساءلنا لماذا يعتبَر صدر المرأة عُرياً غير أخلاقي، بينما يعتبَر عري صدر الرجل مسألة شعور بالحَر؟ لماذا يعتبر عري المرأة إثارة جنسية بينما يعتبَر عري الرجل تنفيساً عن الحرارة المرتفعة وتسهيلاً لتقطر العرق؟ ألا تشعر المرأة بالحر؟ كيف نتقبل أن يحدد الرجل – بسبب ضعف قدرته على السيطرة على انتصاب قضيبه- ما نلبس حفاظاً على مشاعره هو، بينما يزرع فينا الشعور بالذنب تجاه جسدنا؟ كيف نقبل نحن الرجال أن نمارس هذا الحق بينما تعاني النساء من نظرتنا التي لا تقل أذيةً عن خنجر جرائم الشرف؟

هنا يأتي الجمال وعلاقتنا بأجسادنا. هل تم تحليل نظرتنا الى معايير الجمال والانجذاب الجنسي والى هيكليته الاجتماعية المرتبطة بضعف المرأة (النحيلة، ذات الأظافر الطويلة، الكعب العالي، الثياب الضيقة… الخ وما يحمل كل منها من معيقات الحركة الفعالة) مقارنةً بالرجل وثيابه ومعايير جماله؟ وهنا يكمن العائق الآخر: كيف تستقل، ولو شعورياً، من لا تملك القدرة على الركض من دون أن تسقط من أعلى … حذائها؟  هل قمنا بمراجعة معاني “المسترجلة” و “المخنث” لنعرف لما يتم اعتبارهما إهانتين؟ هل فكرنا لما يعتبَر المخنث أقل شأناً من المسترجلة وما هي الروابط مع الهيكلية الجندرية الاجتماعية والاقتصادية فإن القدرة الاقتصادية مرتبطة في النظام الرأسمالي مرتبطة بالاحترام الاجتماعي ولا تخفى على احد نسوية الفقر ؟ وهنا يأتي دور الانتحار مرة أخرى، قتل كل معايير جمالنا، وهذا ليس بالأمر السهل، بل على العكس، فإنّ قولبة قيود انجذابنا الجنسي وتكسيرها لتحريره من المعايير الجمالية لدى المجتمع المشتهي للآخر يشكل أحد أكبر التحديات، إنها المواجهة الكبرى.

خطابات المساواة لا تكفي، ففي ظل النظام السائد والهيكلية الاجتماعية الحالية، لا يمكن أن نصل الى حل عادل، فبناء هذا المجتمع مرتكز على تفوق الرجل، وعلى تفوق مشتهي الجنس الآخر، وبالأخص من ذوي البشرة البيضاء. إنها تركيبة لا أمل في تحسينها لأنّ أي محاولة جدية لتغيير أساسِها تعني انهيارها. لأن تركيبة الرجل النفسية والاجتماعية مبنية على التنافس والتغلب، على مبدأ الحرب والاحتلال والسيطرة سياسياً أو اقتصادياً أو جندرياً أو جنسياً وبالتالي فأي حل يسلبه هذا، يعني سلبه أسس تركيبته الجندرية.

نحن الرجال جميعاً نهاب أن نسمى أو نشبَّه بالنساء، أكنا مثليين أم لا، تقتلنا المقارنة. وما هذا إلاّ كره مبطن للنساء وتفكير ينمّ عن اعتبارنا لهن كجندر من الطبقة السفلى. وطبعاً توجد بعض “النساء الرجال”  اللواتي يحملن أفكار الرجل المهيمنة واللواتي يعتبرن أنّ التخنث ضعفاً وفكاهة، وأنّ استرجال النساء قرفاً ويتبارين في إظهار ضعفهن وبلاهتهن وتكلمهن بصوت الأطفال في محاولة غبية لدعوة الرجل لاستعبادهن. يحمل هذا التفكير بنية اجتماعية تحولت مع الزمن الى ما يسمى بـ “التصرف الطبيعي” فكما تقول الأكثرية الساحقة، “الرجل رجل والمرأة مرأة”. يبدأ دور الرجال الجديين في محاربة هذا النظام عبر رفض لعب دور المنقذ البطل، كما يبدأ دورنا نحن اللاّ-رجال برفض أن يحمل أحد حقائبنا ولو عنى الأمر أن نجرّ هذه الحقائب الثقيلة ببطئ شديد لأميال… وحدنا، فوق الصخور وبالكعوب العالية.

نحن الرجال نشكل الجندر القمعي الحاكم،  وكلنا نمارس سلطتنا وإن كان ذلك في بعض الحالات بدون قرار شخصي منا. إنّ انتحارنا هو فعل ثوري، عملية تعلم وتفكيك لعقلية وتصرفات معينة. لقد حان الوقت لأن نرفض نحن “بيض” هذه المعادلة الجندرية أن نشرب من الحنفيات المخصصة للبيض فقط. لا أتكلم عن الشعور بالذنب على الطريقة الكاثوليكية أو الشيعية، بل عن فعل ثوري يهدف الى تدمير طبقية الجندر من أعلاها، من حيث نجلس، من دون أن ننسى أن من يحتلّلن أسفل هذا الهرم يناضلن لتدميره من تحت ( من موقعهن السفلي/الدوني)

اليوم، نرفض أن نمتطي الحصان الأبيض. اليوم، نرفض أن نكون فرسان الأحلام، فقد دفع الكوكب بكامله ومن عليه ثمناً باهظاً لفلسفتنا المتفلسفة. حان الوقت كي ننقذ ما بقي من ماء وجه جندرنا وننتحر، لأننا إذا لم نفعل ذلك فلنعلم أن هناك من يتحرك من حولنا مخططاً لعملية اغتيالنا… هناك مَن يعد رؤوسنا. انتحر اليوم قبل أن تقتَل غداً، فالمعركة خاسرة والنساء والمخنثين والمتحولين/ات والمسترجلات وكل من لا ينضوي تحت معايير مجتمعك… يرصّوا/ن صفوف الهجوم… والبادي أظلم!

*** عندما أذكر المجتمع السائد المشتهي للآخر لا أتكلم عن الممارسة الجنسية بين جنسين مختلفين، بل عن معايير اجتماعية وقيم قد ترفض أيضاً بعض الممارسات الجنسية المشتهية للآخر ، كما أنّ المثليين والمثليات المحافظين يحملون هذه القيم ويشكلون جزءاً من هذا المجتمع. في اللغة الانكليزية   Hetero-normative society vs. Heterosexual intercourse

هناك تعليق واحد:

مصطفى محمود يقول...

مانشيتاتك كلها صحفية ....احييك على اسلوبك الثورى " للمثلية " ...فالثورة دائما ما تضفى بهائها على اى شىء ترتبط بة .

وارجو منك القراءة والتعليق على حوار مع احد المؤلفين الشبان يتناول فية اوضاع المثليين فى مصر :
http://lenin1917.blogspot.com/2010/03/blog-post.html