السبت، 6 نوفمبر 2010

لقاء في حارة السقايين

بينما كنت الصق الدعوات للمظاهرة النسوية ضد زيارة بابا روما الى برشلونة وجدت نفسي امام احدى المقاهي التي احبها، مقهى صغير في ساحة قديمة وصغيرة تقع قرب منزلي القديم، المنزل الذي شهد اخر فصل من مسرحية علاقتنا التي لاقت استحسان كل الجماهير. تشرف طاولات المقهى على نافورة ماء يابسة كهواء هذه المدينة الذي تلوثه تجارة السياحة كل يوم. التقط جريدة اليوم البارحة واجلس الى احدى الطاولات واطلب قهوتي "الاكسبرسو" المعتادة. هناك شيء من الرومانسية في طلب فنجان قهوة وجريدة على طاولة مقهى في ساحة صغيرة في بلاد الغربة. قد تكون الاغاني او الافلام او الروايات... او مجرد جمال الموضوع الطبيعي. لا اعرف! اتناول الرشفة الاولى ثم اطلب من النادل الناشف الوجه كوب ماء من الحنفية. اكره فكرة دفع المال لقاء المياه! تعلمت هذا منك.

الجريدة تملؤها اخبار زيارة البابا المدنسة لحقوقنا جميعا بينما يزيد حنقي وصول النادل  ومعه قنينة ماء متجاهلا طلبي السابق بماء مجاني. لكن عطش جدي الحسين يغلب اراداتي السياسية، ابادله النظرة القاسية واقبل القنينة على مضض. انا من عشاق الماء، لا اجد ما يفوق طعم الماء لذة في هذه الحياة واكره ان الكثير من الناس والحيوانات محرومين ضرورة ولذة الماء النقي... بسببنا جميعا. اكره الناس الذين يهدرون الماء ولا يفكرون بقيمته ولا بجمال تكوينه. حتى هذه اللحظة لا تخطر على بالي ابدا. لقد مضى وقت طويل دون ان تزور صورتك خيالي. لقد مضى وقت طويل على مقابلتنا الاخيرة التي كانت مهذبة، يابسة وحضارية! كم اكره التحضر وزيفه! تعلمت هذا منك ايضا.

امسك قنينة الماء وابدأ بصب لونه في الكوب المجاور لصورة البابا. وإذا بظل شخصين يحجب نور الشمس قاتلا بريق مائي. ارفع نظري لاراك امامي، بقميصك الابيض وشالك الرمادي الذي يبرز جمال عينيك ولون بشرتك الذي طالما اثارني. زوجك يتأبط ذراعك ويقف خطوة ابعد منك عني. ما اجمله، نسيت انه بهذا الجمال وهو صامت. تشل المفاجأة حركتي، ولكنها لا تقوى على انسياب الماء من القنينة ولا على امتلاء الكوب وفيضانه الصامت فوق الجريدة وصورة البابا. انتفض عائدا الى الحياة على وقع خطى النادل الراكض لتجفيف الجريدة والطاولة وما تبقى من رمقي. كم اكرهه! الابتسامة تعلو وجهك وانت تبادرني التحية، عيناك تلعب دورهن في اثارتي وفي اشعال حنقي. التحضر القاتل مرة اخرى. اقف، قبلة سريعة على شفاهك، قبلة على كل خد من خدود زوجك التحفة الصامتة، وملاحظة ان رائحة عرقي تفوح امتار وتهزم عطر زوجك الايطالي، اللعنة كل اللعنة! ها نحن مرة اخرى، تحضر، يباس، تصمغ في الحلق والمقهى ذاته. تضحك مرة اخرى وانت تسألني عن حالي، ثم تنظر الى ملصقات المظاهرة على الطاولة سائلا اذا كنت لا ازال اثير المتاعب. اكره الاسئلة المبطنة واكره معرفتك بكرهي لها.



نتبادل اطراف الحديث بحضارة وتتوجهوا الى طاولة بعيدة بينما يزوركم النادل ويقوم بتسجيل طلبكم. لا اعرف كيف رأيت كل هذا على الرغم من محاولتي عدم النظر وظني انني نجحت بتجاهل وجودك. يعود النادل بقنينة ماء كبيرة ليضعها امامك. تأخذ القنينة وتصب كوبين برشاقة ودقة، بدون اي نقطة خارج محور دائرة الكوب. كم تغيرت! اتذكر كيف كنت تصر على كوب ماء من الحنفية، لا بل تفضل الموت عطشا على دفع مال لقاء ما كنت تعتبره حقا طبيعيا. اذكر حتى محاضراتك لمديري المقاهي حول سياسات المياه وصناعة البلاسيتك وخصخصة الموارد الطبيعية التي هي من حق الجميع. اذكر هذا لانني اردده بعد ان تعلمته منك. اتذكر يوم شرحت لك اغنية "على مين" لشريفة فاضل، اذكر ابتسامتك وكم مرة اجبرتني على سماع هذه الاغنية حتى جعلتني اكرهها بعد حب طويل. اذكر محاولاتك قول جملة "متروحش تبيع المية في حارة السقايين" بلهجتك الاسبانية وكم عنت لك هذه العبارة. اذكر كم مرة اجبرتني بقبلاتك ان اكرر قول سقايين وتبيع ومتروحش حتى تتعلم اللفظ الصحيح واعدا اياي بمضاجعة لا بعدها مضاجعة. اذكر فشلك اللغوي ونجاحك الجنسي. اذكر اليوم الذي قررت فيه  انك بحاجة الى ورقة تثبت علاقتنا، انك بحاجة للزواج، اليوم الذي قررت فيه ان تضرب بعلاقتنا عرض الحائط طالبا ان نبني حولنا جدران مؤسسة الزواج وانت تعرف موقفي منها. اليوم الذي قررت فيه ان علاقتنا تهدد بجنونك وانك كبرت وان لا امل في تغيير هذا المجتمع. يوم قلت اننا قطتين نسبح ضد طوفان عارم. اذكر جيدا احتقاري لضعفك وخيبة املي العارمة بكل ما قلته لي. اذكر جيدا كل ما قلته وبكيته وصرخته في وجه اصدقائنا غضبا منك وعليك!

ولكنني اراك اليوم هنا امامي، معه، اوروبي كما لم اراك ابدا في حياتي. كم تغيرت! حتى انك خسرت الطاقة الاسبانية المجنونة واصبحت وكانك وصلت للتو من المانيا. اراك ويسيل في فمي حبي الذي احمله لك، ما اجملك وحتى وانت متنكر بالزي الرسمي لحزب موضة "الغايز". اللعنة! انا احدق بك! ترفع قنينة الماء تحية وتدير وجهك مبتسما لتصب المزيد في الكوبين.  كوبين اثنان! لا افهم هوس البشرية بالرقم اثنين! زواج بين شخصين، علاقة بين شخصين، جنس بين شخصين، جندرين، خيارين سياسيين! لا افهم الخوف من الرقم واحد ولا حتى الرعب تجاه الرقم ثلاثة. ثلاثة! ها ها! فكرة ليافطتي غدا في المظاهرة النسوية "أيها البابا، انتظرك في سريري ولكن لا تأتي بدون واقي ذكري! هيا لنمارس الثالوث المقدس انا وانت وعشيقي." وقع العبارة اجمل في الاسبانية! ادونها ولكن يشتت انتباهي وقوفك امامي مرة اخرى. تسألني اذا كنت اود الانضمام اليكم، تبوح بشوقك، برغبتك بمعرفة اخباري واخبار عالمي، ما كان عالمنا. تخبرني انني اخطر على بالك كثيرا وانك سعيد برؤيتي. تبتسم وانت تعلم ان دفاعاتي كلها تسقط امام ابتسامتك. انظر اليك وفي رأسي مئة فكرة وفكرة، ضجة حمام بلا ماء. اتذكر كم اعشقك واحبك، كم اتمنى لو نتوجه الى اول سوق تجاري لنسرق على عادتنا قنينة نبيذ فاخرة واطعمة برجوازية وفيلم يعجبنا ثم نعود الى المنزل لنمارس الجنس ونأكل ونشرب ونتبادل القبل والصفعات ونمارس الجنس مرة اخرى ثم نشاهد الفيلم قبل ان يفاجأ كل منا بهدية سرقناها دون انتباه الآخر. اتذكر كم كنت رائعا في السرير وفي حمام المطعم. اتذكر كم كان رائعا في هذا المقهى بالتحديد ان اداعب قضيبك المنتصب خارج بنطالك تحت الطاولة وانت تطلب القهوة لنا وتناقش النادل حول سياسات الماء. اتذكر وارى كم تغيرنا، ارى مدى حبي لمن كنت، لمن كنا، ومدى غربتي عنك الآن. اهمس في داخلي ان انتهاء علاقتنا كان نكسة سياسية وليس نهاية علاقة حب. المس يدك الموضوعة على الطاولة امامي، ابتسم لعينيك. حتى يدك قد تغيرت. اشك للحظة انني احلم، اشك للحظة ان احد ينتحل جسدك، ان احد الاوروبيين المحافظين قد سرق جسدك واهم بضربه ولكنني ارى عينيك، لا لا هذا انت... اعرفك. انت بلحمك ودمك، انت اليوم تحاول ان تبيعني ماء في حي السقايين. الآن ومعك كل ما تظنه أمان، بالبيت الخاص والسيارة الخاصة والزوج الخاص وقنينة الماء وذكريات ايام نضالية قد تقصها على رفاقك الجدد كمغامرة شيقة. او قد تخفيها بحنين خجول وخوف على صورتك الاجتماعية الجديدة. كم انا حزين لفقدانك كرفيق نضالي ورومنسي وجنسي، ولكن حزني يشوبه فرح المكان العارم الذي اكتب اليك منه، من ثورتنا كما كنت تسميها.

سررت برؤيتك، حقا! اقف معتذرا عن الدعوة ومودعا. اخبرك مبتسما انه بامكانك ان تدفع ثمن قهوتي ومائي وبهذا تكون هذه عزيمتك، تجيبني بكل كرم وتأكيد. اهم بالانصراف لكنك تمسك يدي وتعطيني قنينة الماء الصغيرة مع ما تبقى فيها من ماء. هنا اتأكد انك انت، واتأكد ان هناك رواسب فيك لم تتغير، ما زلت قادرا على قول اشياء كثيرة بشاعرية حركة واحدة من جسمك. افهمك. آخذ قنينة الماء، بتحضر، واتوجه الى اقرب واكبر محل تجاري في برشلونة. اختار افخم قنينة نبيذ، اقطع الشريط اللاصق المرتبط بجهاز الانذار واضعها في حقيبتي برشاقة تعلمتها معك. اعود الى المنزل، افتح قنينة النبيذ واتركها تتنفس قليلا  ثم اصب كأسا برشاقة ودقة، بدون اي نقطة خارج محور الدائرة. اتذوق النبيذ واصدر همهمة لذة بطعمه. نعم لقد كان قراري صائبا، تركك كان لا بد منه! اتوجه الى شاشة الحاسوب وفي يدي كأس النبيذ، اضع اسطوانة للثائرة النسوية ليليانا فيليبه (Liliana Felipe). هل ما زلت تهيم عاشقا لاغانيها؟ 

تبدأ ليليانا بالعزف وتبدأ زوجتها خسوسا رودريغز بغناء "سأمص البروتوبلازما من جسمك" وابدأ انا بكتابة قصة لقاءنا... كاسك!

هناك 3 تعليقات:

Pazuzu HSP يقول...

كان بدّي توتر هالبوست، بس حسّيته كتير شخصي فرح إترك تعليق بس

كتير رائعة كتاباتك، أنا بحياتي ما حبّيت هيك (بفتكر) بس بصراحة ما بحب حب هيك، بحب حب بسهولة وسلاسة

غلام ابي نواس يقول...

كل ما هو موجود على المدونة يمكن مشاركته على التوتر او غيره :) بس شكرا كتير لتفكيرك بخصوصيتي، بحب العالم اللي عندها حس!

مش كل علاقاتي هيك، هاي كانت وحدة وعدت خلاص. كمان بحب بسهولة وبسلاسة

أحمد يقول...

الحنين وحش